نشأت المدرسة السيريالية الفنية في فرنسا، وازدهرت في العقدين الثاني والثالث من القرن العشرين، وتميزت بالتركيز على كل ما هو غريب ومتناقض ولا شعوري. وكانت السيريالية تهدف إلى البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام. واعتمد فنانو السيريالية على نظريات فرويد رائد التحليل النفسي، خاصة فيما يتعلق بتفسير الأحلام.
وصف النقاد اللوحات السيريالية بأنها تلقائية فنية ونفسية، تعتمد على التعبير بالألوان عن الأفكار اللاشعورية والإيمان بالقدرة الهائلة للأحلام. وتخلصت السيرالية من مبادئ الرسم التقليدية. في التركيبات الغربية لأجسام غير مرتبطة ببعضها البعض لخلق إحساس بعدم الواقعية إذ أنها تعتمد على الاشعور.
واهتمت السيريالية بالمضمون وليس بالشكل ولهذا تبدو لوحاتها غامضة ومعقدة، وإن كانت منبعاً فنياً لاكتشافات تشكيلية رمزية لا نهاية لها، تحمل المضامين الفكرية والانفعالية التي تحتاج إلى ترجمة من الجمهور المتذوق، كي يدرك مغزاها حسب خبراته الماضية.
والانفعالات التي تعتمد عليها السيريالية تظهر ما خلف الحقيقة البصرية الظاهرة، إذ أن المظهر الخارجي الذي شغل الفنانين في حقبات كثيرة لا يمثل كل الحقيقة، حيث أنه يخفي الحالة النفسية الداخلية. والفنان السيريالي يكاد أن يكون نصف نائم ويسمح ليده وفرشاته أن تصور إحساساته العضلية وخواطره المتتابعة دون عائق، وفي هذه الحالة تكون اللوحة أكثر صدقاً.
الســريــاليزم
الدهشة تأتي من تجاوز الواقع المترابط الذي أَلِفَه الناس وتعودوا عليه، والدهشة هي التي تكسر جليد الحقيقة وهي البركان الذي يمزق هذه الحقائق المقامة على أرض الواقع، وعلى الفنان والأديب أن يثير بكافة الطرق والأساليب - بل والحيل - دهشة الناس؛ من هذا المفهوم انطلقت السريالية.
والسريالية هي وليدة المحنة النفسية والفكرية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى، وقد بدأت بنجاة بعض من الفنانين والكتاب والشعراء كانوا قد اشتركوا في الحرب وذاقوا أهوالها، ولم ينجحوا في التخلص من القلق الذي أصبح ملازمًا لهم من أثر الحرب، وخرج هؤلاء من
الحرب ليجدوا أن العالم يسير من جديد وكأن شيئًا لم يحدث، ولعل عودة الحياة لسيرها المعتاد هو الذي أصابهم بالدهشة، فلازال دوي القنابل في أذهانهم يصمها ويسدها؛ فتجمع هؤلاء الشعراء والأدباء والفنانين في باريس وبدأت ثورة السريالية بقيادة الشاعر أندريه
بريتون في عالم الفن والأخلاق والأدب.
يقول بريتون في كتاب: "الخطوات الضائعة" إن واحدًا من المثقفين أو المفكرين لم يكن في مستوى أحداث 1914م، 1918م، فقد كانت الأحداث تَلْطِمُ المفكرين كما تلطم الأمواج الهائلة سفينة صيد صغيرة، وتحوَّلت خيبة الأمل الشديدة إلى غضب وقنوط وشتائم وبدأوا يعلنون
كراهيتهم للعائلة والوطن، ويثورون على الأخلاق والمبادئ".
إن السريالية دعوة لمغامرات نفسية وفنية ومحاولات لاكتشاف ظلمات النفس؛ فهم يعتقدون أنه لا يكفي أن يقتصر الإنسان على الواقع الذي يدركه المنطق، وإنما يرون في النفس الإنسانية أغوار لا يفسرها المنطق أو القواعد العقلية، وإذا كان العالم قد فهم العلوم وأقام
الهندسة واكتشف قوانين الطبيعة، فماذا صنع بالنفس الإنسانية؟!
أين الخيال؟!، أين الأحلام؟!، أين الحرية؟!، فالخيال عندهم والخيال الجامح هو نقطة البداية، فهم يُعَرِّفون الخيال أنه الشيء الذي سيصبح حقيقة، ولقد وصل معهم الخيال إلى حد الجنون، وأشهر نموذج للجنون هو الرسام سلفادور دالي، فلم يرسم مناظر أو مرئيات بل كان
كل همه أن يرسم بغاية الدقة والتجسيم تلك الصور التي تهرب من أصابع الواقع، فكان يمضي أوقات لَهْوِهِ يرسم مناظر طبيعية كاملة على جواهر صغيرة لا يزيد حجمها على حجم الحبة الكبيرة، وله رسوم منتشرة في المتاحف الحديثة عنوان على الغرابة والدقة.
أما الأحلام فكان حلمهم أن يخرجوا بأي شيء مألوف يستعمله الناس استعمالاً مألوفًا إلى شيء لم يتعود عليه الناس؛ فحاولوا جمع أكبر عدد ممكن من الصور التي لا يقبل المنطق أن تكون متقاربة أو متتابعة فهم يكتبون مثلاً عن الزنجية الشقراء.
وبدأ سلفادوردالي يرسم ساعة لينة أو امرأة برقبة زرافة فكل غرضهم تغير ما تعود عليه الناس وألفوه.
لوحات لسالفادوردالي
فما موقف السرياليزم من العالم وماذا يريدون للعالم ومنه؟! أنهم يقولون إن غايتهم تحرير الإنسان، فالسريالية تكشف دور الحرية، والحرية في نظرهم أن يتحرر الإنسان من كل قيد أيًّا كان نوع القيد، وهم أقرب بهذا من الفوضويين فشعارهم تنظيم المجتمع "كل حسب
رغبته".
عن السيريالية
السُريالية كلمة مركبة من كلمتين sur و realism وتعني فوق الواقع. وحركة السريالية حركة أدبية وفنية تفضي إلى علم الأخلاق والسياسة.
ظهرت الأفكار الأولى لهذا الأسلوب لدى الشاعر الفرنسي "آبو لينير" الذي ابتدع كلمة السريالية عام 1917م.
وتعتبر السريالية أحد أهم التيارات المعاصرة، تأسست عام 1924م حين نشر الكاتب أندريه بروتون بيان السريالية الشهير، وحدد مفاهيم هذه المدرسة الفنية وإطارها العام الحاوي لمحاولات التعبير عن عوالم اللاوعي والازدواجية والأحلام والكوابيس، كما أن عوالم تعبيرها
تضم كذلك الحالات التشاؤمية والسوداوية والموت والرعب والضجر وغيرها. ومن الأسباب الجوهرية التي دفعت أندريه بروتون إلى إصدار "بيانات السريالية" الشهيرة (المانيفيستو) انشغاله الواسع بنقل السريالية من مجرد حركة أدبية مباشرة إلى مذهب فكري عام.. أو بعبارة
أدل من حالة التمرد إلى حالة الثورة..
أبرزت السريالية في مجال الرسم مالها من قيمة عالية في الحركة الفنية، وأول معرض للسريالية ظهر عام 1952م جمع آثار ماكس إرنست وهانز آرب .. وفي بداية حياتهم الفنية انتمى عدد من الرسامين إلى المادية ومنهم ، مان راي ودوشان .
السريالية والأحلام
للسريالية علاقة بالتحليل، وكتابات سيغموند فرويد كان لها تأثير على جميع السرياليين، وعلى رأسهم أبو السريالية أندريه بروتون الذي درس الطب، وتخصص في علم وظائف الأعضاء، وكان على علم تام بأفكار فرويد، فحاول إدخالها إلى النظرية السريالية (تفسير الأحلام،
تصريف الطاقات المكبوتة..)، مما أتاح للسرياليين فرص الاهتمام بالرموز الجنسية والمعالجة الصريحة والمكشوفة لموضوعات الجنس، وليس أدل على ذلك (في المجال التشكيلي) من لوحات (إيف تانجي) و(رونيه مارجريت) ثم الرسام الإسباني الشهير سالفادور دالي الذي تعتبر
رسومه للأحلام أعظم رسوم السريالية المتأثرة بهذا الاتجاه
الأسلوب والفلسفة
الرغبة في تخطي الواقع والاعتماد على الصدفة وإحداث المفاجأة والغرابة من أجل تحرير التفكير وضعوا الكثير من التقنيات الحديثة. والسريالية كأداة للتعبير ظهرت كغيرها ساخطة على الواقع.. واقع الإنسانية، لدرجة اعتبارها امتدادا للمدرسة الدادائية، متنكرة لكل
الأصول والخطابات الرسمية، ورافضة كل أشكال السلوك الإنساني الغث المبني على الاستهلاك الخادع.
أبرز ممثلي هذا الفن في الرسم : سلفادور دالي، ماكس ارنست، كريكو ومارك شاكال.
أُعجب السرياليون بالرمزية السحرية لدى جوستاف مورو، وبالرؤى الهلوسية لدى الرومانسي فوسلي.