* الطفل في مرحلة ما قبل التمدرس:
يعيش الطفل قبل ولوجه المدرسة مرحلة من عمره غالبا ما ندعوها: مرحلة ما قبل التمدرس، و تشتمـل الطفولة الصغيرة الممتدة من الميـلاد إلى السنة الثالثـة، و الطفـولة المـبكرة التي تمتـد إلى غايـة السـنة السادسة.
و يعرف الطفل خلال هذه المرحلة نموا سريعا و تطورا ملموسا على عدة مستويات، و تلعب مؤسسة ما فبل التمـدرس خلالـها دورا أسـاسيا و حاسـما في إعدادا الطـفل و تزويـده بمهـارات و قدرات يحتاجها في المرحلة الموالية، ففيها يتشرب كثيرا من القيم و تتشكل الملامح النفسية و طبائع التعامل و أنماط السلـوك لديه.
إذن لا حاجة إلى تأكيد جسامة المسؤولية التي تتحملها مؤسسة التعليـم الأولي في إعدادا و تهـيئ الطفـل و إكسابه عادات و أنماط سلوكية تبنى عليها سائر المراحل الموالية في حياته، و هنا نجد سؤالا يـطرح نفسـه بإلحاح شديد : هل تلقـى مسـؤولية التـربية و التعـليم على كاهـل مؤسسة التعليم الأولي فقط، أم هناك من يشاطرها هذه المسؤولية و يعمل إلى جانبها على تهيئة هذا الكائن الصغير ليصبح شخصية مستقلة؟ إن هذا السؤال المطروح يقودنا إلى التفكير في الأسرة باعتبارها أول من يتحمل مسؤولية التربية. و هنا يطرح سؤال ثان أكثر دقة و أشد إلحاحا: هل للعلاقة بين الأسرة و مؤسسة التعليم الأولي دور و تأثير في تكوين شخصـية الطفل؟ و بدقة أكثر: هل لهما دور في العملية التربوية التعليمية؟
* الأسرة و مؤسسة التعليم الأولي، أي علاقة تربطهما؟
و هنا نقول أنه قبل الحديـث عن هذه العـلاقة التي لا يمكن نفـي وجـودها، كمـا لا يمـكن نفـي دور هاتيـن المؤسستين في توجيه حياة الطفل و الدفع بها إلى الأفضل، لا بد من تحديد المفاهيم و إعطاء نبذة تعريفية لهاتين المؤسستين.
أ- مؤسسة التعليم الأولي: هي مؤسسة تربوية تتولى رعاية الطفل و تربيته و توجيهه فبل بلوغه سن التمدرس وولـوجه المـدرسة الأسـاسية،فهـي تحتضـن الأطفـال الذيـن تتراوح أعمارهم ما بين 3 و 6 سنـوات، و تعـتبـر مؤسسـة التـعليم الأولتي ثانـي مؤسـسة اجتـماعية تمـارس تأثيـرها على حيـاة الطفـل و تـترك بصماتها على شخصيته المستقبلية.
ب- الأسـرة: تعتبر الأسرة الخلية الأولى التي تؤهل الطفل إلى الحياة الاجتماعية، و لها دور كبير في تكوين شخصيته. و هي أيضا المؤسسـة الاجتماعيـة الأولى لبدايـة عملـية التعلم عنده، حيث تسـهر على نمو الطفل الاجـتماعـي و توجيـه سلوكه و تزويده بالقيم المرغوب فبها، فتشكل بذلك الخطوط الأولى البارزة في شخصيته، يقول د: محمد لبيب النجيحي : "الأسرة بيئة اجتماعية أساسية لها أثرها في التربية و التعليم و في تكوين شخصية المواطن الصالح" .
و بعد هذين التعريفيتن المجـزئين لكـل من مؤسسـة التعليم الأولـي والأسـرة، نعود لمحـاولـة الجواب عن سؤالنا المطروح:
أي علاقة تربط بين هاتين المؤسستين؟
ج- ثالوث: مؤسسة التعليم الأولي – الطفل – الأسرة: في الست سنين الأولى من حياته، يقطع الطفل شوطا مهمتا من التنشـئة الاجتماعية، و ينتـقـل إلى مرحـلة الدراسـة الأساسيـة و هتو محمـل بالكثيتر من المعـايير الاجتمـاعية و القـيم و الاتجاهـات. نعم، إن مرحـلة ما قبل التمدرس تعتبتر مرحلتة تربـوية هادفة و تعليـمية مثتمرة، و تربيتة الطفل خلال هذه المرحلة تشتترك فيها عوامل متنوعة، لكن تبقى لمؤسسة التعليم الأولي و الأسرة دورا طلائعيا في بناء شختصية الطـفل خلال هذه المرحلة لما لهتما من مهام م أدوار تربـوية تسـاهم بشكل فعال و مؤثر من أجل تكوين هذه الشخصية.
و لن يتحقق هذا الدور الطلائعي بطبيعة الحتال ما لم تأسـس العـلاقة بينهتما على التعتاون و التـكامل و التواصل المثمر و الفعال. إذ أن كل انفصال بين هاتين المؤسستـين، و كل عدم تواصـل و قطيـعة و تفــكك بينهما يؤدي قطعا إلى نتائج سلبية على تربية و تعليم الطفل، فلكي تتحقق استفادة الطفل ككائن حي بريء من عملية تربية و تعلم ناجعة، يجب أن ينظر إليه كنقطة تقاطع و عامل مشترك بين مؤسستين اثنتين: الأسرة و مؤسسة التعليم الأولي. باعتبـار الأولـى و بدون منـازع الإطـار المرجتعي له، و الثانيتة هتي الإطـار المستقبل له في هذه المرحلة المبكرة من عمره.
و إن كان التعاون و التواصل و التكامل بين هاتين المؤسستين أمر محتوم فما هي سبل و طترق و قنـوات هذا التواصل؟ و بسؤال أكثر بساطة: كيف يتم هذا التواصل و يتحقق؟
* قنوات الاتصال بين الأسرة و مؤسسة التعليم الأولي:
لنجـاح العمـلية التربـوية- التعليـمية في مرحـلة ما قبـل التمـدرس، يجـب أن تشارك فيها كل من الأسرة و مؤسسة التعليم الأولي على حد سواء، كيف ذلك؟ كيف يمكننا أن نجعل هذا الثالوث: مؤسسة التعليم الأولي-الطفل-الأسرة في تواصل و تعاون دائمين؟ و بالتالي ما هي أهم قنوات الاتصال بين هاتين المؤسستين؟
من أجل تنشئة و تعلم أفضل، و مستقبل أزهر للناشئة، و من أجل طفل مواطن الغد متكيف مع مجتمعه، لا بد من تحقق علاقة إيجابية و منسجمة بين الآباء و مؤسسة التعليـم الأولـي، تهتدف هتذه العلاقتة إلى تمثـين التعاون و توطيد أواصر الاتصال بين العاملين بمؤسسة التعليم الأولي متن جهـة، و بين الآبـاء و الأمهـات مـن جهة أخرى، و هذا الاتصال و التعاون لا بد أن يتم عبر قنوات نحاول رصد بعض منها:
أ- اللقاءات المباشرة: بين المربين و آباء و أولياء الصغـار،إذ تختول لهـؤلاء الوقـوف عن قترب فبتما يتعـلق بحياة أبنائهم ما قبل المدرسة كما تسمح للمؤسسة التربويـة التعليمية بمعرفة أقصى ما يمـكـن عــن حيــاة الأطفال الخاصة. و يمكن أن يتحقق هذا عن طريق الإكثـار من الزيـارات للمؤسسـة التعليـمية طـيلة السـنــة الدراسية، و أيضا عن طريق الحفلات الدورية أو حفلات آخر السنة.
ب- الواجبات المنزلية: و هي جميع الأنشطة التي يقوم بها الطفل في المنزل تقديسا لمبدأ التعلم الذاتي، و من بين الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلال الواجبات المنزلية المساهمة في تنمية العلاقة الإيجـابية بيـن البيت و المؤسسة التعليمية من جهة، و بين الصغار و آبائهم من جهة ثانية، فمثل هذه الواجبات تسـمح للآبـاء بالإطلاع على نوع الأنشطة الممارسة في مؤسسة التعليم الأولي.
و يتجلى تعاون الأسرة مع المؤسسة التربوية في هذا المجال، في مراقبة أعمال الصغار و إنجازاتهم المنزلية و توفيـر الظـروف المنـاسبة لهـم لإنجـاز مـا كلفـوا به. و فـي هذا امتـداد لعـمل المؤسسة و تحقيق للأهداف المنشودة.
ج- شبكات التقويم: إن المربي الجيد لهو ذاك الشخص الذي ينتهز كل فرصة سواء كـان ذلك داخـل المؤسـسة التربوية أو خارجها للتقرب إلى الأسـرة و توثيق العلاقة معها، و التحـدث إليـها و منـاقشة الآبـاء كـما سبـقـت الإشارة إلى ذلك، يكون بطريقة مباشرة أثناء زيارتهم لصغارهم بالمؤسسة، أو بطريقة غير مباشرة، فمثلا عن طريق شبكات تقويم ترسلها المؤسسة إلى أسر الصغار في فتـرات معينة، إما كل نصف شهر أو كل شـهـر أو كل نهاية دورة.
فشبكات التقويم النصف الشهرية، أو الشهرية، أو الدورية تعطي للآباء تصورا عن سلوكات أبنائهم و تصرفاتهم و مواقفهم داخل مؤسسة التعليم الأولين و كذلك عن نوع الأنشطة الممارسة، كما تساعد المربي على معرفـة أسباب و دوافع بعض تصرفات الطفل و سلوكاته الغـير المرغوب فيـها، و بالتـالي التـعاون مـع الآبـاء لإيجـاد حلول لها.