درس العلماء الكون وما فيه من نجوم وغبار ومجرات ودخان، ولكنهم وجدوا أن حركة هذه المجرات لا تتناسب مع كتلتها وجاذبيتها، ولذلك افترضوا وجود مادة معتمة أو مظلمة أسموها Dark Matter وبدأت الأبحاث منذ أكثر من ربع قرن واستمرت ولا تزال.
وفي كل يوم يكشف العلماء حقائق جديدة حول هذه المادة وطبيعتها، وأهم اكتشاف هو أنها تملأ الكون بنسبة أكثر من 96 % وهذه نسبة عالية، ومعنى ذلك أن ما لا نبصره أكبر بكثير مما نبصره، وهنا تتجلى عظمة القسم الإلهي: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحاقة: 38-40]. فهذه إشارة خفية على وجود أشياء لا نبصرها، ووجود هذه الأشياء في الكون هو دليل على صدق هذا القَسَم الإلهي.
ولكن ما يهمنا في الأمر أننا اقترحنا في مقالة سابقة أن هذه المادة المظلمة يمكن أن تكون هي السماء التي حدثنا عنها القرآن. وقد أشكل هذا الطرح على بعض القراء، فكيف تكون السماء غير مرئية، والله يخاطبنا بقوله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) [ق: 6]. فهذا أمر إلهي لننظر إلى السماء، فكيف ننظر إلى شيء لا يُرى؟
وأقول إننا لو دققنا النظر في الآيات التي تتحدث عن السماء نرى بأنها تتحدث عن كيفية البناء: (كَيْفَ بَنَيْنَاهَا) أو تتحدث عن ما تحويه هذه السموات، يقول تعالى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ) [يونس: 101]. فهذه دعوة للنظر في محتوى السماء من نجوم وكواكب وغير ذلك.
إذا نظرنا إلى السماء في الليل نرى النجوم ولا نرى مادة السماء، وإذا نظرنا إلى السماء في النهار نرى الأشعة المنعكسة بسبب وجود الغلاف الجوي ولا نرى مادة السماء، إذاً نحن لا نرى السماء إنما نرى ما تحويه السماء. ولذلك فإن فكرة أن تكون السماء هي ذاتها المادة المظلمة، هي فكرة منطقية لا مانع من طرحها شرعاً، لأن المؤمن مكلف بالاجتهاد فإذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر. ولا يجوز لنا أن نوقف باب الاجتهاد في فهم الآيات الكونية بحجة الخوف من الخطأ، لأن عجائب القرآن لا تنقضي، وينبغي على المؤمن أن يستمر في البحث والتدبر والتفكر.
فإذا إذا تطور العلم وأثبت عكس ذلك أي أثبت أن السماء ليست هي المادة المظلمة، فلا مشكلة في ذلك، لأننا نجتهد ونتدبر القرآن ونحاول أن نفهم آياته على ضوء الحقائق العلمية، وعند وجود خطأ في فهمنا فهذا يعود لنا نحن البشر، أما كتاب الله فهو كتاب منزَّه عن الخطأ، والله أعلم.